القسم الثالث

الكتاب المقدس والقرآن كتابان متشابهان في جمعهما

 

الفصل الأول

نظرية الوثائق وتأثيرها على التوراة والقرآن

 

درسنا في القسم الأول (فصل 2) بعض الافتراضات، كان آخرها افتراض د بوكاي أن (نظرية الوثائق) في أصل التوراة وتطويرها نظرية صحيحة، وهي تُسمى أحياناً (نظرية النقد العالي) أو تُسمى باسم الرجلين اللذين أسساها، وهما (جراف، وولهاوزن) عام 1880م، وقد بُنيت على الافتراضات التالية:

  1. حدث تطوّر وارتقاء في الدين من تعدُّد الآلهة إلى التوحيد، وعلى هذا تكون التوراة نتاج التطوّر الطبيعي للأحاسيس الدينية عند الشعب اليهودي ولا دخل في ذلك للوحي الإلهي عن طريق الملائكة أو الروح القدس.

  2. لم يرِد للعادات المذكورة في حياة إبرهيم ذِكرٌ خارج التوراة (مثل زواجه من أخته غير الشقيقة، وطرد إبرهيم لجاريته هاجر بناءً على طلب سارة) كما لم يرد ذكر الحثيين خارج التوراة فتكون أحداث حياة إبرهيم وإسحق ويعقوب وسائر الآباء بلا أساس تاريخي، بل هي مجرد قصص أو أساطير.

  3. لم يكن موسى وبنو إسرائيل يعرفون الكتابة، لأنها لم تكن قد عُرفت بعد.

  4. إذاً لم يكتب موسى الأسفار الخمسة الأولى من التوراة سنة 1400 أو 1300 ق م، كما تقول التوراة والقرآن ولكن كتبها أو جمعها كُتّاب مجهولون بعد ذلك بمئات السنين.

وبحسب هذه النظرية يكون أول الذين كتبوا شخصٌ أطلق على الله اسم (يهوه) عام 900 ق م ومعناه (السرمدي) الذي بلا بداية ولا نهاية ويقولون إنه كتب تكوين أصحاحي 1 و2 مع أجزاء أخرى ويقولون إنه جاء كاتب ثانٍ أطلق على الله اسم (إلوهيم) وكتب أجزاء كثيرة من التوراة ثم جاء كاتب ثالث نسج هاتين الكتابتين معاً في قصة واحدة نحو سنة 650ق م ويقولون إنك تقدر أن تميّز بين إنتاج الكاتبين الأوَّلين بملاحظة إطلاق اسم (يهوه) أو (إلوهيم) على الله.

 

ولم يكن هذا الدليل كافياً بحد ذاته للتفريق بين إنتاج الكاتبَين، فأخذ هؤلاء النقاد المتطرفون بعين الاعتبار عاملي (الأسلوب) و(الأفكار اللاهوتية) والتي ظنوا أنها تساعدهم للتمييز بين نصَّي (يهوه) و(إلوهيم) أما السفر الخامس من التوراة (وهو التثنية) فيقولون إنه كُتب سنة 621 ق م وهذا بالطبع كذبة كبيرة ثم تدَّعي النظرية أن بعض الكهنة أضافوا وثيقة رابعة تبدأ بقصة الخلق في تكوين 1 ، ثم قاموا بإعادة ترتيب التوراة في صورتها الحالية نحو عام 400 ق م، بعد نحو ألف سنة من حياة موسى وأطلقوا على هذه النظرية اسمJEDP وقد جاءت من الحروف الأولى من Jehovah, Elohim, Deuteronomy, Priestly

 

واضح من هذا التقديم المختصر لنظرية الوثائق أنها تشكك في صحة وحي التوراة ولو صدَقت لكان العهد القديم خدعة أدبية كبيرة!

  1. ولم يكن أصحاب (نظرية الوثائق) يؤمنون بالمعجزات التي أجراها موسى والمسيح، ولا بمعجزة إعلان الله عن ذاته بالوحي، فلا كلّم الله موسى ولا تكلم بواسطة غيره ولو أن هؤلاء المتطرفين درسوا أيضاً القرآن لرفضوا أن يكون الله قد أوحى بشيء إلى محمد، لأن الكفر بالمعجزات والوحي هو الاعتقاد الأساسي من وراء هذه النظرية وقد خصّص د بوكاي عدة صفحات من كتابه ليقدم هذه النظرية، ونتيجة لذلك أعلن أن الكتاب المقدس مليء بالمتناقضات والحقائق غير الأكيدة ولما كان المسلمون يقولون إن المسيحيين حرّفوا كتابهم، فإن أقوال د بوكاي (الذي يجيء من خلفية مسيحية، والذي يؤكد نفس أقوالهم) ستزيدهم بما يقولون اقتناعاً، وستملأ نفوسهم بالانشراح.

وأذكر أن أستاذ الدين في جامعة ووستر المشيخية بأمريكا (أثناء دراستي التمهيدية لدراسة الطب) علّمنا هذه النظرية كحقيقة واقعة فسأله زميلٌ لي:

 

(ولكن لو صدَقت النظرية لكان الكتاب المقدس عارٍ عن الصدق) فأجابه (وكأنه يخاطب صبياً في السادسة من عمره): (يمكنك أن تصدّق الكتاب المقدس إن شئت ذلك).

 

ولما لم أكن وقتها أمتلك حقائق تدحض ما قاله الأستاذ من أن موسى لم يكتب التوراة، (مع أن المسيح قال إنه كتبها) قبلتُ ما قال، مما زعزع ثقتي في التوراة كوحيٍ إلهي، فرفضتُ المسيحية وأصبحت (لاأدرياً) لم أكن ملحداً، لكني لم أكن أدري ماذا أعتقد في الله ولكن شكراً لله (الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ) (1تيموثاوس 2:4) أنه لم يتركني في جهلي، بل قادني إلى من علّموني الحقائق التي تثبت صحّة كتب التوراة والأنبياء، والتي أشارك القارئ فيها في هذا الفصل.

 

تأثير هذه النظرية على القرآن

في القسم الثاني (فصل 1) رأينا كيف يعلن القرآن وجود توراة صحيحة بين يدي مريم العذراء ويوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) والمسيح وبالرغم من أن البعض يختلفون معي في أن تلك النسخ مطابقة للنسخ التي بين أيدينا اليوم، إلا أن تلك الآيات القرآنية تقدّم حقائق نتفق عليها كلنا فالقرآن يقول إن إبرهيم شخصية تاريخية وقد كلّمه الله، ويقول إن الله أعطى موسى الألواح التي كتبها له (قَالَ (الله) يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) (سورة الأعراف 144 و145 - من العهد المكي المتأخر) وقد يسأل سائل: ماذا يفيدك هذا الاقتباس هنا؟ والإجابة: إن كانت قصص إبرهيم وإسحق ويعقوب في التوراة أساطير، فتكون كذلك في القرآن! وإن كانت الكتابة مجهولة زمن موسى (1400 ق م) فلم يكن ممكناً لموسى ولا لغيره أن يقرأوا (الألواح) التي حوَت من كل شيء موعظة، وتفصيلاً لكل شيء، ويكون القرآن موضع انتقاد أصحاب (نظرية الوثائق)!

 

لذلك سنلقي نظرة متأنية على نظرية الوثائق لنرى ماذا يقول أصحابها عن المعجزات:

 

استحالة الوحي والمعجزات

أبدى الأستاذ أ كيونن (أحد معتنقي هذه النظرية) رأيه في القُوى الخارقة للطبيعة، قال:

(إن كنا نعزو جزءاً من حياة بني إسرائيل إلى التدخل الإلهي المباشر، ونقبل (ولو لمرةٍ واحدة) أن هناك وحياً خارقاً للطبيعة، فإن رؤيتنا الكلية تختل ولن تكتمل هذه الرؤية إلا إذا افترضنا حدوث تطور طبيعي لكل هذه الظواهر) وقال أيضاً: (القول إن الله يتدخل في حياة الآباء الأولين يكوّن في نظري أحد العوامل الرئيسية ضد صحة الأحداث التاريخية)

في الاقتباس الأول يقول كيونن: إن أية حادثة خارقة للطبيعة تُخِل برؤيتنا المتكاملة، وفي الاقتباس الثاني يعلن أن من يصدق أن الله تكلم مع إبرهيم وهاجر وإسحق ويعقوب، يبرهن أن أسفار موسى الخمسة غير تاريخية.

 

أما يوليوس ولهاوزن، أحد مؤسسَي النظرية فيسخر من حدوث المعجزات زمن الخروج، وفي سيناء يوم أعطى الله موسى الألواح، ويقول: (مَن يقدر أن يؤمن بهذا؟) 1 ولا زال بعض الأساتذة اليوم يؤمنون بهذه النظرية بسبب إنكارهم للمعجزات وقد كتب الأستاذ لانجدون جيلكي من جامعة شيكاغو سنة 1962 يصف قصص التوراة عن الخروج يقول: (هناك أعمال وأقوال يظن العبرانيون أن الله فعلها وقالها، ولكننا ندرك بالطبع أنه لا فعلها ولا قالها) ويقول عن عبور البحر الأحمر: (نحن ننكر الطبيعة المعجزية لهذه الأحداث، ونقول إن سببها ريح شرقية)2

هذه النظرية تفترض الآتي:

 

أ. لم يكلم الله إبرهيم.

ب. لم يتلقَّ موسى من ربه ألواحاً.

ج. لم تحدث معجزة شق مياه البحر الأحمر وعبور بني إسرائيل على اليابسة وغرق فرعون وجيشه.

 

ولم يغفل الأستاذ (عبد الله يوسف علي) هذه النقاط، فقال: (إن فكر مدرسة النقد العالي فكر مدمّر (رينان) يشك في حقيقة أن موسى شخص تاريخي ويعتقد أنه شخص أسطوري ونحن نرفض الفكر الذي لا يؤمن أن الله أوحى لأنبيائه).

 

وهكذا يتضح لنا أن إنكار النبوّة وتاريخية شخصية موسى يشكل هجوماً على القرآن كما يشكله على الكتاب المقدس.

 

الشك وتحديد التاريخ

أدّى شكُّ أصحاب هذه النظرية إلى شكٍ في تاريخ وثائق التوراة ولنأخذ مثلاً من حياة النبي دانيال تقول التوراة إن دانيال أُمر أن يسجل محادثاته مع الملك البابلي نبوخذ نصر ويقول رجال علم التاريخ ورجال علم التاريخ الكتابي إن هذا يعود إلى عام 600 ق م، فيكون أن دانيال كتب سفره عام 600 ق م ولكن أصحاب (نظرية الوثائق) يعترضون لماذا؟ لأنه بالإضافة إلى المعجزات المذكورة في سفر دانيال، يذكر الأصحاح 8:20 و21 من السفر نبوّةً مفصَّلة عن أحداث سياسية ستحدث بعد 300 سنة تقول النبوة: (أَمَّا الْكَبْشُ الَّذِي رَأَيْتَهُ ذَا الْقَرْنَيْنِ فَهُوَ مُلُوكُ مَادِي وَفَارِسَ وَالتَّيْسُ الْعَافِي مَلِكُ الْيُونَانِ، وَالْقَرْنُ الْعَظِيمُ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ هُوَ الْمَلِكُ الْأَوَّلُ) وقد أوحى الله لدانيال بهذه النبوة في عهد بيلشاصر، حفيد نبوخذ نصر وهي تقول إن مادي وفارس ستهزم بابل، ثم تنهزم أمام اليونان وقد تحقّقت النبوّة أيام الإسكندر الأكبر عام 330 ق م، أي بعد دانيال بنحو 300 سنة.

 

ولكن أصحاب تلك النظرية لا يؤمنون بمعجزة النبوة فماذا كان موقفهم من هذه النبوة القوية؟ قالوا: (لما كانت (النبوة) قد تحققت عام 330 ق م، فلا بد أن شخصاً آخر كتبها بعد عام 330 ق م، بعد أن تمّت الأحداث، ثم عزاها إلى دانيال ليصدقها الناس) وهم يقصدون أنه: لما كانت المعجزات مستحيلة لا يكون دانيال قد تنبأ بالمستقبل، ويكون عَزْو الكتاب للنبي دانيال تزويراً.

 

ويقتبس د بوكاي من كتابات أصحاب هذه النظرية قولهم إن سفر دانيال (رؤية مربكة من وجهة النظر التاريخية ويقول البعض إنها مؤلَّف يرجع إلى القرن الثاني ق م في عصر المكابيين) (ص 36) ولكن الذي أوقع الارتباك في نفوس أصحاب النظرية هو صِدق النبوة وتحقيقها!

 

وهناك سبب آخر أربك أصحاب النظرية: لقد تنبأ دانيال في أصحاح 9:25 و26 (عام 600 ق م) بخراب هيكل أورشليم، وتحققت هذه النبوة عام 70م بعد صعود المسيح إلى السماء بثلاثين سنة ولقد تنبأ دانيال (1) بأن أورشليم والهيكل سيُعاد بناؤهما، و(2)أن المسيح سيأتي، و(3) يُقطع المسيح وليس له (ليس لأجل نفسه)، و(4) شعب رئيس آتٍ يُخرب المدينة والقُدس وهذا ما فعله تيطس الروماني عام 70م.

 

ولا يملك أصحاب نظرية الوثائق، ولا د بوكاي تعليقاً على نبوات دانيال هذه التي تحققت بعد زمن المكابيين بقرنين من الزمان وسنناقش في فصل قادم بعض النبوات التي تحققت، برهاناً على صحّة التوراة.

 

1. الارتقاء والتطوّر في الدين

استخدم دارون نظرية التطور والارتقاء في علم الأحياء، واستخدمها هيجل في علم التاريخ، واستخدمها أصحاب نظرية الوثائق في الدين، وقالوا إن الدين بدأ إيماناً بالأرواح زمن الإنسان البدائي، ثم تطوّر إلى إيمانٍ بالإله الواحد بل إن ولهاوزن حاول أن يطبق نظرية هيجل في التاريخ ليبني نظاماً لتطوّر الديانة اليهودية في شبه الجزيرة العربية في عصر ما قبل الإسلام.

 

ويشرح ج رايت رأي ولهاوزن وغيره من النقاد المتطرفين، في كتابه (دراسة الكتاب المقدس اليوم وغداً) فيقول:

(البناء الذي أقامه جراف وولهاوزن لتاريخ إسرائيل الديني أكّد أن صفحات التوراة تعطينا نموذجاً كاملاً للتطور الديني من عبادة الأرواح في زمن الآباء إلى التوحيد، عندما جاءت صورة التوحيد النقية في القرنين 6 و5 ق م وقد عبد الآباء (إبرهيم وأولاده عام 1800 ق م) الأرواح في الأشجار والأحجار والينابيع والجبال إلخ وكان إله بني إسرائيل في عصر ما قبل الأنبياء (1000 ق م) إله قبيلة، يمتد سلطانه إلى أرض فلسطين فقط وكان الأنبياء هم مخترعي التوحيد) 3

وهم يعنون بهذا أن العبادة اليهودية بدأت بعبادة الأرواح، ثم تبعتها عبادة آلهة قَبَلية، وأخيراً ارتقَت إلى عبادة الإله الواحد ثم قالوا إن الإنسان يقدر أن يحدد تاريخ أي قطعة أدبية بأن يدرس درجة تقدم التعليم الديني الذي تورده، وحكموا بأنه يستحيل أن الأفكار الرفيعة عن الله التي تعزوها التوراة لإبرهيم وغيره من الآباء تكون من نتاج أفكار إبرهيم وسائر الآباء، لأن فكرة الوحدانية أسمى من تفكيرهم ويصف ولهاوزن فكرة أن الله الواحد خلق العالم أنها (فكرة لاهوتية تجريدية غير مسموع بها وسط شعب ناشئ) 4

 

ثم يقولون إنهم لما افترضوا أن بالدين تطوراً وارتقاءً، فلا يناسب أن يُقال عن إبرهيم: (وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الْأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي) (تكوين 22:18) لأن فكر إبرهيم الديني لم يكن قد تطور إلى مثل هذه الدرجة من الرقي، فلا بد أن هذه العبارة كُتبت بعد ذلك بألف سنة.

 

فإذا صدق كلام هؤلاء النقاد المتطرفين (الذي قَبِله د بوكاي)، فماذا عساهم يقولون عن قول إبرهيم في سورة الأنعام 6:79 (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَر السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)؟ لا بد سيقولون إنه نتاج فكر متأخر بعشرة قرون، لأنه لا يمكن أن يكون إبرهيم قد نطق بهذه الكلمات، وقد كان يعبد الأرواح في الشجر والحجر!

 

وقد ثبت من البحوث الحديثة زمن الشعوب البدائية خطأ نظرية التطور في الدين، فإلى جانب عبادة أرواح الأجداد والأوثان كانت القبائل البدائية تتعبد للإله الخالق الأسمى خالق السماوات والأرض، وعندهم مبررات لضياع الاتصال بهذا الخالق الأسمى. 5

 

وهكذا كان هذا حال قبيلة قريش بمكة أيام محمد، فقد كان اسم والده (عبد الله) وكان القريشيون يؤمنون أن الله هو الأعلى وبقية آلهتهم أدنى، يشفعون لهم عند الله.

 

وهكذا نرى براهين قرآنية ضد نظرية الوثائق وضد فكرة التطور في الدين، فقد عرف الناس ربهم الواحد الخالق الأعلى منذ البدء، ولكن خطاياهم حجبته عنهم.

 

2. عادات إبرهيم الاجتماعية

قال أصحاب نظرية الوثائق (التي اقتبسها د بوكاي) إن عادات إبرهيم مجرد أساطير وروايات ولكن (ألواح نوزي) (عام 1500 ق م) ذكرتها:

 

أ. وردت قصص عن زوجات عقيمات طلبن من أزواجهن إنجاب أطفال لهن من جواريهن، كما فعلت سارة مع جاريتها هاجر وهناك عقد زواج تمّ في نوزي، تقول فيه العروس (كلِم نينو) إنها تضمن لعريسها (شنّيما) جارية تصبح زوجةً له في حالة عجزها عن إنجاب طفل له وتعِد (في تلك الحالة) ألّا تطرد وليد الجارية من البيت 6 (الأمر الذي فعلته سارة)

 

ب. وصف النقاد المتطرفون انتصار إبرهيم على كدرلعومر وملوك ما بين النهرين بأنه أسطورة، وأن أسماء مدن السهل الخمس: سدوم وعمورة وأدمة وصبوييم وصوغر بأنه خرافة (وردت قصة انتصار إبرهيم في تكوين 14) 7 ولكن سجلات إبلا (سنتحدث عنها في القسم التالي) أشارت إلى كل مدن السهل، وفي إحدى اللوحات جاءت قائمة أسمائها بنفس الترتيب التوراتي بل إن الرواية التوراتية في تكوين 14 تحتوي على كلمات وعبارات نادرة الاستعمال، لم ترد في سائر الكتابات العبرية فمثلاً كلمة (هانيخ) (ومعناها: تابع مسلّح) لم ترد في التوراة إلا هنا، وصفاً للشاب الذي نشأ في بيت إبرهيم وتدرب على حمل السلاح، ولكنها وُجدت في (نصوص اللعن) الفرعونية في القرنين 19 و18 ق م، أثناء حياة إبرهيم، ووُجدت أيضاً في القرن 15 ق م في الكتابة المسمارية من تعنك في فلسطين. 8

 

يقول تكوين 29 إن (لابان) خال يعقوب (حفيد إبرهيم) وحماه في الوقت نفسه، تبع يعقوب لأنه ظن أن يعقوب سرق آلهته أو (ترافيمه) وتساءل المفسرون: لماذا كلّف لابان نفسه كل هذه المعاناة ليستعيد أصنامه بينما كان يمكنه أن يستبدلها بغيرها؟ غير أن لوحات نوزي كشفت أن زوج الابنة الذي يحصل على أصنام الأسرة يكون له الحق في الحصول على كل ممتلكات حميه وقد أظهرت الحفريات الحديثة سبب قلق لابان، فامتلاك الترافيم يعني القدرة على المطالبة بملكية الثروة 9!

 

وقال كورش جوردون، الذي كفر بنظرية الوثائق بعد تخصصه في دراسة تاريخ وعِلم آثار الشرق الأوسط:

(أثبتت ألواح نوزي المكتوبة بالحروف المسمارية أن عادات عصر الآباء إبرهيم وإسحق ويعقوب إلخ هي صحيحة ومن قبل عصر موسى، ولا يمكن أن يكون مخترعها J , D,E, أو P) (10)

3. الحِثيون المفقودون

قال النقاد المتطرفون إنه طالما لم يرد للحثيين ذكر خارج نصوص التوراة، فلا بد أن التوراة مخطئة وقد سمعتُ هذه العبارة أثناء دراستي في كلية ووستر عام 1946 رغم أن هوجو ونكلر كان في عام 1906 قد اكتشف (بوغاز كوي) (في تركيا) وهي عاصمة الحثيين! وقد وجد ونكلر في سجلات الألواح الفخارية معاهدة حربية بين الحثيين والمصريين يرجع تاريخها إلى عام 1300 ق م تقريباً كما أنه تم اكتشاف لوح يسجل معركة حامية الوطيس بين رمسيس الثاني والحثيين في قادش على نهر الأورنتس عام 1287 ق م 11

 

4. لم تكن الكتابة معروفة زمن موسى

قال ولهاوزن عام 1885:

(كان لبني إسرائيل شريعتهم، لكنها لم تكن مكتوبة) 12 وقال هرمان شولتز عام 1898: (بخصوص شخصية الرواة (وليس الكتبة) في عصر ما قبل موسى، فإن البرهان كافٍ، لأنهم عاشوا في عصر ما قبل الكتابة) 13

ولكن في عام 1902 اكتشف عالِم حفريات فرنسي، تحت إشراف الأستاذ جاك ده مورجان، شريعة حمورابي في موقع سوسا القديمة، شرقي ما بين النهرين، محفورة على أحجار، يرجع تاريخها إلى ما بين 1700 و2000 ق م، في 282 جزءاً وتحوي الكثير مما يشبه شريعة موسى ثم توالت الاكتشافات التي برهنت أن الكتابة كانت معروفة قبل زمن موسى وإليك بعض ما اكتُشف من كتابات في جبل سيناء:

 

أ. في عام 1917 اكتشف عالم المصريات البريطاني (ألان جاردنر) كتابات كنعانية في جبل سيناء مؤلفة من صُوَر نحو عام 1500 ق م، برهنت أن الكتابة كانت معروفة من قبل أيام موسى. 14

 

ب. منذ عام 1925 اكتُشف أكثر من 4000 لوح، تعود إلى ما بين 1500 و1400 ق م في بلدة نوزي بالقرب من نينوى القديمة بالعراق.

 

ج. في عام 1929 اكتُشفت ألواح في يوغاريت وراس شمرا في الساحل السوري الشمالي تعود للقرنين 14 و13 ق م، وهو عصر موسى، ويشبه أسلوبها أسلوب الشعر العبري التوراتي، كترنيمة مريم وقت الخروج (خروج 15) وترنيمة دبورة (قضاة 5) من القرن 12 ق م.

 

د. بدأت عام 1933 حفريات في ماري في سوريا، ووُجدت آلاف الكتابات المسمارية التي يرجع تاريخها إلى عام 1700 ق م.

هـ. في عام 1964 اكتُشفت خرائب إبلا شمال سوريا، وحتى عام 1974 اكتُشف فيها أكثر من 17 ألف لوح مكتوب يرجع إلى عام 2200 ق م.

و. وأخيراً جلستُ أنا نفسي في ميدان الكونكورد باريس عام 1961 تحت مسلة مصرية غطت جوانبها كتابات هيروغليفية ترجع إلى زمن رمسيس الثاني.

 

وكتب الأستاذ وليم ألبرايت عام 1938 عن أنواع الكتابات المختلفة التي وُجدت في الشرق القديم في عصر ما قبل موسى، قال:

(نقول في هذا الصدد إن الكتابة كانت معروفة جيد المعرفة في فلسطين وسوريا أثناء عصر الآباء، المعروف بالعصر البرونزي الوسيط، 2100-1500 ق م، نعرف منها على الأقل خمسة أنواع: (1) الهيروغليفية المصرية التي استخدمها الكنعانيون لكتابة أسماء الأشخاص والبلاد، (2) الأكادية المسمارية، (3) الأبجدية المقطعية في فينيقية، (4) الأبجدية الطولية في سيناء، (5) الأبجدية المسمارية في يوغاريت والتي اكتُشفت عام 1929) 15

5. مزيد من البراهين التي تتطلّب قراراً 16

وأقتبس هنا بعض ما كتب الأستاذ جوش مكدويل في كتابه (مزيد من البراهين التي تتطلّب قراراً):

 

قال النقاد المتطرفون إن الشرائع الواردة في أسفار الخروج واللاويين والتثنية من التوراة متقدمة وأكثر تعقيداً من إدراك موسى ثم اكتُشفت (قوانين حمورابي) الشبيهة بشريعة موسى في (تعقيدها) كُتبت قبل عصر موسى بنحو 300 أو 500 سنة.

 

وقال أولئك النقاد إن الرحلات التي قام بها إبرهيم (كما يقول التكوين 11 و12) من أور الكلدانيين بالعراق إلى فلسطين كانت غير معروفة في تلك الأيام ولكن رجال الحفريات في (ماري) ببابل اكتشفوا لوحة تحمل اتفاقية من عصر إبرهيم يؤجر فيها صاحب عربة عربته لمدة سنة، بشرط ألّا يستعملها المستأجر  للسفر إلى كتيم (شمال فلسطين) على شواطئ البحر الأبيض المتوسط كما اكتشفوا لوحة أخرى تقول إن رجلاً اسمه أباراما دفع الإيجار، وهذا يثبت أن (أبرام) اسم إبرهيم الأول كان مستعملاً زمن إبرهيم.

 

وقد اعتبر النقاد المتطرفون أن الخيمة التي أمر الله موسى أن يقيمها بمقاييس خاصة معقدة (خروج 36) محض خيال، وقالوا إنها أكثر تقدماً من العصر الموسوي ولكن الاكتشافات أظهرت أن المصريين القدماء عام 2600 ق م عملوا خيمة متنقلة من عصي وأعمدة للأركان وسقف، لتستخدمها الملكة وكانوا ينصبونها في أي مكان يريدون، كما كان بنو إسرائيل يفعلون.

 

وقال ولهاوزن إن المرايا التي يقول الخروج 38:8 إن النسوة اليهوديات أعطينها لموسى لعمل حوض الاغتسال (المرحضة) عُرفت في وقت متأخر عن عصر موسى ولكن الحفريات برهنت وجودها في مصر بين عام 1500 و1400 ق م. 17

 

وفي ضوء كل هذه الاكتشافات الحديثة نأسف أن نقرأ للدكتور بوكاي اقتباسه من إدموند جاكوب قوله (يُحتمل أن ما يرويه العهد القديم عن موسى والآباء الأولين لا يتفق إلا بشكل تقريبي مع المجرى التاريخي للأحداث) (ص 21) وما أبعد الفرق بين هذا الاقتباس الظالم وما نقتبسه عن نلسون جلويك رئيس الكلية اللاهوتية اليهودية في سنسناتي بأمريكا، وهو واحد من أعظم ثلاثة رجال متخصصين في الحفريات في عالمنا اليوم يقول:

(في كل أبحاثي الحفرية لم أجد شيئاً واحداً يناقض أية عبارة وردت في كلمة الله (يعني التوراة)) 18

6. تتكون التوراة من مجموعة وثائق كُتبت بعد موسى بزمن كبير.

قرأنا في أول هذا الفصل اقتراح جراف وولهاوزن بوجود أربع وثائق على الأقل نُسجت منها التوراة الحالية وجاء بعدهم من ادَّعى أن عدد تلك الوثائق 10 أو 12 أو 15 وبنوا ادّعاءاتهم على أساس استعمال المفردات وأشهر هذه الأقسام هو استعمال أسماء الجلالة المختلفة: (إلوهيم) المستخدمة في التكوين 1 و(يهوه) المستخدمة في تكوين 2 و3 ثم أطلقوا على من استخدم اسم الجلالة (إلوهيم) E.

 

وأطلقوا على من استخدم اسم الجلالة (يهوه)  وقالوا إنه جاء كاتب آخر ليروي القصة نفسها بسياق مختلف، ثم جاء (محرر) استخدم كل هذه ونسج منها قصة واحدة وقدموا نموذجاً لذلك قصة اسحق، ومعنى اسمه (ضحك) (ونجد القصة في تكوين 17:15-19):

(15 وَقَالَ اللّهُ لِإِبْرَاهِيمَ: (سَارَايُ امْرَأَتُكَ لَا تَدْعُو اسْمَهَا سَارَايَ، بَلِ اسْمُهَا سَارَةُ 16‚وَأُبَارِكُهَا وَأُعْطِيكَ أَيْضاً مِنْهَا ابْناً أُبَارِكُهَا فَتَكُونُ أُمَماً، وَمُلُوكُ شُعُوبٍ مِنْهَا يَكُونُونَ) 17‚فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ، وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: (هَلْ يُولَدُ لِابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟) 18‚وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلّهِ: (لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!) 19‚فَقَالَ اللّهُ بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ (بمعنى يضحك)).

ثم كلم الله إبرهيم مرة أخرى وكرر الوعد له على مسمع من سارة، كما نقرأ في التكوين 18:10-15:

(10‚ َقَالَ (الله): (إِنِّي أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ امْرَأَتِكَ ابْنٌ) وَكَانَتْ سَارَةُ سَامِعَةً فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَهُوَ وَرَاءَهُ - 11‚وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ شَيْخَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الْأَيَّامِ، وَقَدِ انْقَطَعَ أَنْ يَكُونَ لِسَارَةَ عَادَةٌ كَالنِّسَاءِ 12‚فَضَحِكَتْ سَارَةُ فِي بَاطِنِهَا قَائِلَةً: (أَبَعْدَ فَنَائِي يَكُونُ لِي تَنَعُّمٌ، وَسَيِّدِي قَدْ شَاخَ!) 13‚فَقَالَ الرَّبُّ لِإِبْرَاهِيمَ: (لِمَاذَا ضَحِكَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: أَفَبِالْحَقِيقَةِ أَلِدُ وَأَنَا قَدْ شِخْتُ؟.. 15‚فَأَنْكَرَتْ سَارَةُ قَائِلَةً: (لَمْ أَضْحَكْ) (لِأَنَّهَا خَافَتْ) فَقَالَ: (لَا! بَلْ ضَحِكْتِ)

وهناك فقرة كتابية ثالثة عن الضحك، حدثت وقت ولادة إسحق، وردت في تكوين 21:1- 6:

(1‚وَافْتَقَدَ الرَّبُّ سَارَةَ كَمَا قَالَ، وَفَعَلَ الرَّبُّ لِسَارَةَ كَمَا تَكَلَّمَ 2‚فَحَبِلَتْ سَارَةُ وَوَلَدَتْ لِإِبْرَاهِيمَ ابْناً فِي شَيْخُوخَتِهِ، فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَكَلَّمَ اللّهُ عَنْهُ 3‚وَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ابْنِهِ الْمَوْلُودِ لَهُ الَّذِي وَلَدَتْهُ لَهُ سَارَةُ (إِسْحَاقَ) 4‚وَخَتَنَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرَهُ اللّهُ 5‚وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ... 6‚وَقَالَتْ سَارَةُ: (قَدْ صَنَعَ إِلَيَّ اللّهُ ضِحْكاً كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ يَضْحَكُ لِي )

فماذا فعل النقاد المتطرفون بهذه الآيات الواضحة؟ قالوا إن هناك ثلاث قصص مختلفة نسجها (محرر) فيما بعد في قصة واحدة جاءت الأولى من الكاتب الكهنوتي، وجاءت الثانية من وثيقة J وجاءت القصة الثالثة من وثيقة E

 

ولكن لماذا يبدو غريباً أن يضحك إبرهيم وسارة أولاً غير مصدّقَين أنه سيكون لهما ولد، ثم تضحك سارة بعد أن يعطيها الله الولد؟ ألا ترى أن هؤلاء النقاد تطرفوا حتى دخلوا دائرة اللامعقول؟

 

وقد لخّص هنري بلوتشر كل هذا بأسلوب رشيق، قال:

(عندما يُصدِر النقاد الغربيون أحكامهم على محتوى الكتاب المقدس يضعون في اعتبارهم عاداتهم المعاصرة وقرّاءهم الغربيين، ويهملون كل ما يعرفونه اليوم عن بيئة الشرق وعاداته، ومنها الكتابة المستخدمة في أزمنة التوراة، فقد كان الأقدمون يحبون التكرار، ويستخدمون العبارات العمومية الطابع، ويستبدلون الكلمة بما يرادفها، خصوصاً مع اسم الجلالة وهكذا ترى أن نصوص التوراة تتوافق مع أسلوب كتابة أزمنة كتابتها) 19

ماذا لو استخدمنا النقد المتطرف مع القرآن؟

اسم الجلالة (الله) ومخاطبته (اللهم) في اللغة العربية يوازي الاسم العبري (إلوهيم) كما أن الاسم العربي (الرب) يوازي العبري (أدوناي) الذي استخدمه اليهود بعد فترة بديلاً للاسم (يهوه) وعندما ندرس القرآن لا نجد الاسم (رب) في إحدى عشرة سورة، هي: النور، الفتح، الحجرات، المجادلة، الصف، الجمعة، المرسلات، الغاشية، التين، الهمزة، الإخلاص كما أن اسم (الله) لم يرد في ثماني عشرة سورة، هي: القمر، الرحمان، الواقعة، القلم، القيامة، النبإ، المطففين، الفجر، الليل، الضحى، الشرح، الزلزلة، العاديات، الفيل، قريش، الكوثر، الفلق، الناس وهناك عشر سور قصيرة من العهد المكي الأول لم يرد فيها اسم الجلالة أبداً، كما هو الحال في سفر أستير بالتوراة وإليك جدولاً باستخدام اسم الجلالة (الله) و(رب) في السور: الفتح، الحجرات، ق، الذاريات، الطور، النجم، القمر، الرحمان، الواقعة، الحديد، المجادلة، الحشر، الممتحَنة، الصف، الجمعة، المنافقون، التغابن وقد اخترت هذه السور السبع عشرة لأني ذكرتُ ثمانٍ منها في القائمة أعلاه:

 

ملحوظة: معنى ع م م في هذا الجدول: (العهد المكي المبكر).

 

رقم

   تاريخها

مرات

عدد

تكرارها

مرات

تكرارها

السورة

 

ذكر (الله)

الآيات

في الآية

ذكر (الرب)

في الآية

48

   6 هـ

19

29

0.65

-

-

49

   9 هـ

27

18

1.50

-

-

50

ع م م

1

45

0.02

2

0.04

51

ع م م

3

60

0.05

5

0.08

52

ع م م

3

49

0.06

6

0.12

53

ع م م

6

62

0.10

7

0.11

54

ع م م

-

55

-

1

0.02

55

ع م م

-

78

-

36

0.46

56

ع م م

-

96

-

3

0.03

57

  8 هـ

32

29

1.10

3

0.10

58

  5-7 هـ

40

22

1.81

-

-

59

  4 هـ

29

24

1.21

1

0.04

60

  8 هـ

21

13

1.61

4

0.31

61

  3 هـ

17

14

1.21

-

-

62

  2-5 هـ

12

11

1.09

-

-

63

4-5  هـ

14

11

1.27

1

0.09

64

1 هـ

20

18

1.11

1

0.06

 

 

وعندما نتأمل هذا الجدول نكتشف أن الاسم (رب) استُخدم 36 مرة في سورة الرحمان، وردت 31 مرة منها مع كلمة (آلاء) وكلمة (آلاء) قليلة الورود بالقرآن، وردت في سورة الرحمان وثلاث مرات أخرى، مرة منها في سورة النجم (وهي من العهد المكي المبكر) ومرتان في سورة الأعراف (وهي من العهد المكي المتأخر) وعندما نفحص سورة النجم آيتي 19 و20 نجد أنها السورة الوحيدة التي تذكر أسماء الأصنام: اللات والعزى ومناة.

 

وأفترض أن عندنا ناقداً متطرفاً يؤمن بنظرية الوثائق، يتعامل مع هذه الفقرات القرآنية كما تعامل مع الفقرات التوراتية فيقول: (لاحظوا أن اسم الجلالة (الله) لا يُستخدم كثيراً في العهد المكي، فقد جاء بمعدل مرة كل عشر آيات أما في العهد المدني فإن هذا الاسم يُستخدم على الأقل مرة في كل آية، ماعدا في سورة الفتح ثم أن كلمة (آلاء) وأسماء الأصنام الثلاثة لم ترد إلا في الآيات المكية، فلا بد أنه كان هناك كاتب مكي مبكر نسمّيه R لأنه استخدم اسم الجلالة (رب) وهو لا يزال يهتم بالأصنام ثم جاء كاتب ثانٍ نسمّيه A لأنه استخدم اسم الجلالة (الله) لأن التوحيد النقي كان قد بدأ يظهر وواضح أن أسماء الأصنام الثلاثة في سورة النجم لا تتمشى مع السياق، فلا بد أن كاتباً ثالثاً أضافها في مرحلة متأخرة، ونسمّيه Q لأنه أحد القرّاء).

 

ثم يقول لنا هذا الناقد المتطرف: (ولاحظوا معي كيف أن القرآن يورد أربع مرات قصة زيارة الضيوف المكرَّمين لإبرهيم ليبشروه بابن في عمره المتقدم وتقول السورة المكية المبكرة الذاريات 24-30 إن زوجة إبرهيم العجوز العقيم لم تصدق فلا بد أن الكاتب R هو صاحب هذه الرواية وفي العهد المكي المتأخر تروي سورة الحِجْر 15:51-56 أن إبرهيم لم يصدق، وقال: (أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ؟) ولما كانت هذه السورة من العهد المكي المتأخر، فلا بد أن تأثير كاتبها A يكون قد بدأ! وفي سورة هود 69-74 من العهد المكي المتأخر نسج الكاتب Q القصتين معاً وأضاف أن زوجة إبرهيم ضحكت وهناك ما جاء في سورة الصافات 99-103 من العهد المكي الوسيط، وهي تهتم بتقديم إبرهيم ابنه ذبيحة لله وذِكر الذبيحة يعني استخدام وثيقة أخرى نسمّيها Z).

 

وهكذا يرى القارئ بوضوحٍ بالغ مقدار التجنّي على النصوص الذي ارتكبه النقاد المتطرفون، الذين تبنَّى د بوكاي أفكارهم ونشرها في كتابه، وهي أبعد ما تكون عن العِلم الصحيح هل يُعقَل أن يُقال إن القرآن مكوَّن من تجميع أربع وثائق كتبها R, A, Q, Z ؟  هذا ما كان يحدث للقرآن لو صدق د بوكاي ومن أخذ عنهم!

 

الخاتمة

في نور كل ما ذكرناه يكون مستحيلاً لأي باحث مُخْلص أن يقبل (نظرية الوثائق) العتيقة المهجورة ولن يقبلها إلا الكافر متحجر القلب وقد نلتمس العذر لجراف وولهاوزن لأن الاكتشافات والحفريات الحديثة لم تكن متوافرة لديهم ولكن لماذا يقبلها علماء معاصرون مثل د بوكاي؟ يقول هنري بلوتشر: (إنهم يقبلونها لأنهم يشاركون ولهاوزن عداءه لكل ما هو معجزي خارق للطبيعة) 20

 

ولا يوجد أي برهان على صدق نظرية الوثائق لا دليل من التاريخ ولا من الإسناد على وجود J, E وغيرهما مما يُقال إنهم أصحاب الوثائق، فلم يرَهم أحد! ويقول الأستاذ كتشن المحاضر بجامعة ليفربول:

(لقد نشأت نظرية النقد الأدبي بخصوص J, E, P, D من فراغ، وهي بلا قيمة لو قارنّاها بالطريقة التي كان الناس يكتبون بها زمن الكتاب المقدس إنها نظرية وهمية لا تتماشى مع بيئة الكتاب المقدس في الشرق الأوسط وعندما يُعاد تقييم كتابات التوراة في ضوء المحيط الذي تصفه التوراة، سنجد أنها متناسبة مع قرائنها أما النظريات المبنيّة على افتراضات وهمية لا يساندها الواقع القديم فهي لا بد ساقطة) 21

وقد وصل العالِم اليهودي أومبيرتو كاسوتو إلى النتيجة نفسها في كتابه (نظرية الوثائق) الذي خصص فيه ستة فصول للرد على أهم خمس حُجَج يستخدمها النقاد المتطرفون ليؤيدوا بها نظريتهم أن موسى لم يكتب التوراة وقد شبَّه الحجج الخمس بخمسة أعمدة يقوم عليها البيت، ثم يقول:

(لم أبرهن أن الحجج الخمس واهية، ولا أن أي واحد منها فشل في أن يسند البناء، ولكني برهنت أنها ليست أعمدة بالمرة، وأنه لا وجود لها إلا في عقول أصحابها، وأنها محض خيال) 22

ثم أن نظرية الوثائق تفترض أن كل اليهود منذ أيام موسى إلى زمن المسيح كانوا كذابين، ولم يكن فيهم واحد يخاف الله فيحتفظ بنسخة سليمة من التوراة الصحيحة ولكن القرآن لا يوجّه مثل هذا الاتهام ليهود مكة والمدينة وقد رأينا في الفصل الأول قسم 2 أن منهم كثيرين مخلصون في إيمانهم، وتقول سورة الأعراف 7:159 (وهي من العهد المكي المتأخر): (وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ).

 

لقد اتّبع البعض نظرية الوثائق وصدقوا أن موسى لم يكتب التوراة لأنهم افترضوا أموراً باطلة وهم يدرسون الكتب المقدسة فإذا درسنا الكتاب المقدس والقرآن دراسة تحليلية فلنتَّبع أسلوب الناقد العبقري كولريدج، الذي وضع القانون القائل:

(عندما نجد غلطة في كتابة كاتبٍ مُجيد، فلنفترض أولاً أننا لم نفهم، قبل أن نفترض أننا فهمنا أن الكاتب جاهل!)

وقال أرسطو: (لنضع الشك في مصلحة الوثيقة، ولا تأخذنا الكبرياء فنقف في صف الناقد)

الفصل التالي    الفصل السابق

 

  1. Julius Wellhausen, EISRAELITISCHE UND JEUDISCHE GESCHICHTE, p

  2. Langdon Gilkey, COSMOLOGY, ONTOLOGY, AND THE TRAVAIL OF BIBLICAL LANGUAGE, Comcordia Theological Monthly, Mar , vol , p

  3. G E Wright, THE STUDY OF THE BIBLE TODAY AND TOMORROW, Edited by Harold Willoughby U of Chicago Press, Chicago, , p

  4. Julius Wellhausen, PROLEGOMENA OF THE HISTORY OF ISRAEL, Adam and Charles Black, Edinburgh, , p

  5. Don Richardson, ETERNITY IN THEIR HEARTS, Regal Books, Ventura, California, , l

  6. Josh McDowell, MORE EVIDENCE THAT DEMANDS A VERDICT, Campus Crusade for Christ, San Bernardino, Ca ,, p

  7. Josh McDowell, EVIDENCE THAT DEMANDS A VERDICT, Heres Life Publishers inc, San Bernardino, p

  8. Naham Sarna, UNDERSTANDING GENESIS, McGrawHill, New York, , p

  9. JP Free, ARCHEOLOGY AND THE BIBLE, His Magazine, May , vol , p

  10. Cyrus Gordon, THE PATRIARCHAL AGE, Journal of Bible and Religion, October , vol , no  p

  11. McDowell, MORE EVIDENCE, P

  12. Julius Wellhausen, PROLEGOMENA TO THE HISTORY OF ISRAEL, Edinburgh, Adam and Charles Black, , P

  13. Herman Schultz, OLD TESTAMENT THEOLOGY, Edinburgh, T& T Clark, , p

  14. SH Horn, RECENT ILLUMINATION OF THE OLD TESTAMENT, Christianity Today, June , , vol , pp

  15. W F Albright, ARCHEOLOGY CONFRONTS BIBLICAL CRITICISM, The American Scholar, April  vol , p

  16. Josh McDowell, MORE EVIDENCE, p

  17. Josh McDowell, EVIDENCE, p

  18. ibid p

  19. Henri Blocher, REVELATIONS DES ORIGINES, LE DEBUT DE LA GENESE, Presses Bibliques Universitaire, Lausanne l, p

  20. Op cit p

  21. K A Kitchen, THE OLD TESTAMENT IN ITS CONTEXT, London, , p

  22. Cassuto, Op cit, Magnes Press, Jerusalem, , p


القرآن والكتاب المقدس في نور التاريخ والعلم

القرآن والعلم

كتب أخرى

الرد على الإسلام