الفصل الثالث

مقارنة التطوُّرات التاريخية للقرآن والإنجيل

 

فحصنا في القسم الثاني رأي القرآن والحديث في تحريف الإنجيل بقصدٍ سيء، ووجدنا أن لا دليل فيهما على حدوث تحريف، بل إنهما يؤكدان وجود توراة وإنجيل صحيحين مع محمد في مكة والمدينة في القرن الهجري الأول.

 

وفي ستة أجزاء من هـذا الفصل سنعالج (الاتهام بالتحريف) من زاوية أخرى، فنقارن تطور نصوص الكتاب المقدس لنرى إن كان هـذا الاتّهام صحيحاً فإن صحَّ وجود تحريف، فأين ومتى جرى ذلك.

 


أ. التطوّر الأوَّلي للقرآن والإنجيل


 

أبدأ هـذا النقاش بأن أفعل مع المسلم ما يفعله معي سأتظاهر أني أدَّعي أنه ما دام القرآن لا يحتوي ما أعتقده، فلا بد أن المسلمين (أو جدودهم) قد حرَّفوا القرآن ليجعلوه يقول ما يعجبهم!

فماذا يقول المسلمون في هـذا؟ وكيف يردّون هـذه التهمة الظالمة؟

سيقولون أولاً: لقد أوحى الله بالقرآن فإذا طلبت منهم البرهان على هـذا سيخبرونني كيف تجمَّع.

 

أدوار القرآن الأولى

قال لي المسلمون الذين ناقشتُهم إن أول آيات القرآن نزلت على محمد قبل الهجرة بنحو أربعة عشر عاماً (نحو سنة 609م) وخلال 14 سنة كانت ثُلثا آيات القرآن قد أُنزلت وقد كتبوها على الرقاع (ورق يُصنع من الجِلد)، واللخاف (حجارة بيض رِقاق)، وأكتاف الأنعام، والعُسُب (جريد النخل يُكشَط خوصه)، وصدور الرجال.

 

ولما سألت عن عدد المسلمين الذين هـاجروا من مكة إلى المدينة مع محمد، قال البعض إن عددهم 75 وقال آخرون إنهم 150 مسلماً ولا يذكر القرآن عددهم، لكن سورة الأنفال 8:26 (من سنة 2 هـ) تقول: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وبالإضافة إلى المهاجرين من مكة كان هـناك مسلمون بالمدينة، كما كان بعض العبيد في مكة قد أسلموا، ولكنهم عجزوا عن مصاحبة محمد إلى المدينة ولعل العدد يكون فعلاً 150 مسلماً.

 

ويواجهنا سؤال: كيف تتأكد أن نقل القرآن جاء صحيحاً، مع أنه لم يكن هـناك سوى 150 مسلماً مُخْلصين لإسلامهم؟ ربما ضاعت بعض الرقاع بما عليها من آيات وكيف تضمن عدم حدوث تحريف؟

 

ستقول لي: (لقد حفظوا القرآن في صدورهم، وكان بعض المهاجرين موجودين مع محمد لما تلا السور ثم أن محمداً كان معهم يصحّح ما قد يخطئون فيه) ومع أني لا أختلف معه في هـذه الإجابة، إلا أن المسلم لا يملك برهاناً على ما يقوله، فليست لديه سورة واحدة أصلية من التي كُتبت على الجلد أو الأكتاف! فالمسألة إذاً مسألة إيمان، لا برهان مادي عليه هـذا افتراض أساسي.

 

من الهجرة إلى موت محمد

انتصر نحو 300 جندياً مسلماً في موقعة بدر (سنة 2 أو 3 هـ) على جيش كبير من المشركين وقال عبد الله يوسف علي في تفسيره لسورة آل عمران 3:13: (تكوَّنت القوة المسلمة من نحو 313 رجلاً معظمهم غير مسلّحين وكان عدد رجال مكة أكثر من ألف، كلهم مسلحون) فإذا قلنا إن كل جندي مسلم كان متزوجاً وعنده ولدان، لكان عدد المسلمين وقتئذٍ نحو 1500 أو أكثر.

 

وفي عام 6 هـ اتَّجه محمد إلى مكة لأداء الحج ومعه 1400 رجلاً، وعُقد صلح الحديبية مع المكيين ونعتقد أن عدد المسلمين وقتها يكون قد بلغ ستة أو ثمانية آلاف مسلم وبعد الاستيلاء على مكة عام 8 هـ زاد عدد المسلمين إلى عشرات الآلاف وعند موت محمد سنة 10 هـ كان عددهم نحو 140 ألفاً وقد نزل باقي القرآن (الثلث الباقي) في أول عشر سنوات من الهجرة.

 

وهنا نسأل: كيف يعرف القارئ المسلم أن القرآن ظل صحيحاً في هـذه السنوات العشر؟ ربما لم يذهب المهاجرون إلى مكة أبداً! ربما لم تكن هـناك موقعة بدر! كيف يبرهن أن القرآن لم يتحرَّف؟

 

وسيجيب المسلم: ولكنهم كانوا يحفظون القرآن في حياة محمد وبعد موته ظل 200 أو 250 مسلماً ممن حاربوا في بدر على قيد الحياة: شهدوا المعركة وسمعوا كلمات محمد ولن أختلف مع المسلم في ذلك، ولكني سأطالبه بنسخة من القرآن تعود إلى سنة 10 هـ قطعاً إنه يؤمن أن القرآن الذي بيده الآن مماثلٌ لما حفظه المسلمون في سنواتهم الأولى وهو يؤمن بالأحاديث التي توضّح جمع القرآن، وتذكر موقعة بدر وصلح الحديبية.

 

أول جمع للقرآن

والآن لندرس الطريقة التي جُمعت بها سُور القرآن وآياته المتفرّقة في كتاب واحد روى البخاري (عن زيد بن ثابت، باب جمع القرآن ج 6 ص 225 طبعة دار الشعب، القاهرة) أنه بعد نحو سنة من موت محمد قام زيد بجمع القرآن بأمر من الخليفة أبي بكر:

(أرسل إليَّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده قال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ يوم اليمامة بقُرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقرّاء بالمواطن فيذهب كثيرٌ من القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن قلتُ لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله؟

قال عمر: هـذا والله خيرٌ فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيتُ في ذلك الذي رأى عمر قال زيدٌ: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتَّهمك، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله، فتتبَّعِ القرآنَ فاجمعْهُ فوَالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله؟ قال: هـو والله خير فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر.

فتتبَّعت القرآن أجمعه من العُسُب (سعف النخيل) واللِّخاف (الحجارة البيضاء) وصدور الرجال حتى وجدت آخِر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحدٍ غيره (لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنِتُّم) حتى خاتمة سورة التوبة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر)

وجاء في الإتقان للسيوطي (باب جمع القرآن وترتيبه) (أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: اقعُدا على باب المسجد، فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه).

وبقدر ما نعلم، كانت تلك نسخة القرآن الرسمية الوحيدة حتى تولى عثمان الخلافة وكان أُبيّ بن كعب في المدينة وابن مسعود في الكوفة بالعراق يمتلكان نسخة كاملة من القرآن، لكن الغالبية العظمى من المسلمين كانت تعتمد على ما في صدور الرجال. ويمكن أن نقول إنه لمدة أربعين سنة (من 13 قبل الهجرة حتى 27 هـ لما تولى عثمان) اعتمد نقل القرآن على الرواية الشفاهية.

 

ونعود نسأل القارئ المسلم: كيف تعرف أن القرآن بقي خالياً من التحريف أثناء هـذه الأربعين سنة؟ ربما نسي أحدٌ شيئاً منه ربما أكلت بهيمة بعض آيات!

عن عبد الرحمن بن عوف (خطب عمر في الناس، فقال:

ألا وإن ناساً يقولون ما الرجم في كتاب الله، وإنما فيه الجَلد، وقد رجم رسول الله ورجمنا بعده ولولا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتُّها كما نزلت به) (ابن كثير، تفسير سورة النور آية 2)

وقال ابن ماجة عن عائشة:

(نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً ولقد كانت في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته، دخل داجن فأكلها) (ابن ماجة حديث 1944 ج 1 ص 626- دار إحياء الكتب العربية، دت)

وقد يطعن القارئ في صحة هـذه الأحاديث، خصوصاً حديث عائشة ولكن حتى لو صدقت هـذه الأحاديث، فإنه لو نسي مسلم آيةً أو أكلها داجن، لتذكّرها سائر الصحابة والأنصار ولو أخطأ أحد في اقتباس آية لصحَّحوها له.

 

انتشار الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية

وسيقول لي القارئ المسلم أيضاً إنه خلال هـذه السنوات السبع والعشرين بعد الهجرة انتشر الإسلام في أقطار عديدة، إذ فُتحت سوريا عام 13 هــ، وفي عام 14 بلغت جيوش المسلمين بلاد الفرس، وفُتحت مصر عام 19 (641م) وبلغت الفتوحات عام 25 هــ أرمينيا وكان كثيرون من جنود المسلمين يحفظون القرآن وأسباب نزول آياته وفي نور هـذا كله يستحيل أن يتمكن أحدٌ من تحريف القرآن الذي بلغت كلماته أنحاء الدنيا من مصر إلى فارس، ومن تركيا إلى جزيرة العرب.

 

ولن أختلف مع القارئ المسلم، ولكني أقول له: أنت تقول هـذا لأنك تؤمن بالقرآن، لكنك لا تملك النسخة الأصلية التي دوّنها زيد بن ثابت (بين يديك). ولا يوجد في إيمان المسلم بقرآنه ما يناقض العقل وعندما نتَّجه لبحث تطور الإنجيل، سنجد انطباق القوانين نفسها.

 

أدوار الإنجيل الأولى

قبل أن ندرس كيفية جمع الإنجيل ندرس معنى كلمة (إنجيل) إنها كلمة معرَّبة عن اليونانية (إيفانجليون) وتعني (الخبر المفرح) وقد صارت كلمة (إنجيل) معروفة للعرب أما الخبر المفرح فهو أن المسيح مات مصلوباً ليدبّر وسيلة مغفرة خطايا كل من يؤمن أنه المخلّص المتألم لأجله ونحن نقول إنه (بذل نفسه عنا) و(سفك دمه لأجل فدائنا) وإنه (فصحنا الذي ذُبح لأجلنا) وإنه (حمل الله الذي يرفع خطية العالم) وقد علّم المسيح هـذا ليلة احتفاله بالفصح مع تلاميذه، فقد (وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: (اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لِأَنَّ هـذَا هـُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا) (متى 26:27 و28) وسنطلق على هـذه الفكرة (العقيدة أ).

 

ونؤمن أن هـذا الفداء ممكن لأن الله الواحد الخالق، الآب والابن والروح القدس، شاء أن الابن، كلمة الله الأزلي، يتجسَّد ليقوم بعمل الفداء ويرتكز إيماننا هـذا على ما قاله المسيح عندما مثل للمحاكمة أمام رئيس الكهنة، فسأله: (أأنت المسيح ابن المبارك؟) فأجاب: (أنا هـو) (مرقس 14:61 و62) فقد دعا نفسه (ابن الله) وسنطلق على هــذه الفكرة (العقيدة ب).

 

ويهمّنا أن نوضح هـنا أن الله تعالى علوا كبيراً على أن تكون له (صاحبة) ونحن نؤمن بقول القرآن في سورة الأنعام 6:101 (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فولادة (ولد) من (صاحبة) كفرٌ عظيم لكننا نؤمن أن المسيح كلمة الله ذو وحدة أزلية مع الآب وكل ما جدَّ عليه هـو اتخاذ جسدٍ إنساني بالميلاد من العذراء.

 

وسأعتبر العقيدة (أ) والعقيدة (ب) (العقيدة الإنجيلية) وفي تأملنا في التطور التاريخي للإنجيل سنتتبَّع النقل الشفاهي لهذه العقيدة الإنجيلية حتى تدوينها كتابةً.

 

وقد نشأ معنى جديد لكلمة (إنجيل) هـو أنه (التسجيل المكتوب لحياة المسيح وموته وقيامته) وقد كان المسيح يعرف القراءة والكتابة ، فقد جاء عنه في لوقا 4:16 (دَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ) ولكن المسيح لم يكتب (الإنجيل) بنفسه، إنما دوَّن قصة حياته على أرضنا أربعة رجال ملهَمين من الروح القدس وهو ما نعرفه ب (الإنجيل حسب البشير متى) أو (الإنجيل حسب البشير لوقا) وبمرور الوقت بدأ المسيحيون يطلقون على هـذه الروايات الأربع للإنجيل: (الأناجيل الأربعة) وهذه التسمية توحي أن لكل واحد من هـؤلاء الأربعة إنجيله، ولكن هـذا ليس صحيحاً، فنحن نؤمن أن المسيح جاءنا بخبر مفرح واحد هـو خلاصنا من خطايانا وهذا هـو الإنجيل الواحد الذي يرويه الأربعة.

 

وهناك تسمية أخرى هـي (العهد الجديد) وهو كتاب يشمل الروايات الأربع للإنجيل الواحد، بالإضافة إلى رسائل النصح والعقائد التي كتبها رُسُل المسيح للجماعات المسيحية المختلفة.

 

والكلمة القرآنية (إنجيل) تعني كتاباً مكتوباً، ولكنها لا تجزم إن كان هـذا الكتاب هـو سيرة المسيح وتعاليمه، أو إن كانت تعاليم رسل المسيح متضمَّنة فيه.

 

ولنرجع إلى السؤال الرئيسي: كيف وصلَنا الإنجيل المكتوب؟ نحن أيضاً نقول إنه أُعطي لنا من عند الله، وقد (كتبه أُناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس) فإذا سُئلنا: كيف تعرفون هـذا؟ نُجيب أيضاً بأن نوضح كيف تطوَّر الإنجيل تاريخياً.

 

بدء الإنجيل

يؤمن المسيحيون أن المسيح بدأ يعظ بالإنجيل عندما بلغ الثلاثين من العمر، فيقول لوقا 3:23 (وَلَمَّا ابْتَدَأَ يَسُوعُ كَانَ لَهُ نَحْوُ ثَلَاثِينَ سَنَةً).

 

والمشكلة التي يواجهها المسيحيون في هـذه التواريخ المبكرة تشبه تأريخ المسلمين لأحداث حياة محمد قبل الهجرة، فقد كان المسيحيون مكروهين مضطهَدين لمدة 300 سنة بعد صعود المسيح للسماء، فلم يحتفظ الرومان بسجلات دقيقة لتاريخ المسيحيين غير أن هـناك حادثتين في الإنجيل تعاوناننا على تحديد وقت ميلاد المسيح: أولاهما: أن هـيرودس الكبير كان الملك وقت ميلاد المسيح (متى 2:1) وثانيتهما: أن بيلاطس كان الحاكم عندما بدأ المسيح خدمته العلنية (لوقا 3:1 و23).

 

ويقول التاريخ المدني إن هـيرودس الكبير مات عام 4ق م، وإن حكم بيلاطس بدأ عام 26م فإن كان ميلاد المسيح عام 4ق م قبل موت هـيرودس، وبدء خدمته العلنية وهو في عمر الثلاثين عام 26م في بدء ولاية بيلاطس لأورشليم، نكون محقّين إن قلنا إن المسيح وُلد عام 4 ق م، وبدأ خدمته الجهارية عام 26م أما التقويم الميلادي فقد وُضع عام 550م، ولا بد أن به خطأً قدره أربع سنوات.

 

وأخذ المسيح يتجوَّل في أورشليم يكرز بالإنجيل، فسمعه كثيرون يدعوهم لاتّباعه وقد تبعه بعضهم وبعد بضعة شهور اختار اثني عشر ليدرّبهم تدريباً مكثَّفاً (لوقا 6:13) وندعوهم التلاميذ الاثني عشر، أو الرسل الاثني عشر، لأنه أرسلهم ليعلنوا للبشر جميعاً أخبار الإنجيل السارة ويسمّيهم القرآن (الحواريين) ويتحدث عنهم بتوقير كبير باعتبارهم (أنصار الله) الذين (أوحى) إليهم أن يؤمنوا (سورة آل عمران 3:52 و53 وسورة المائدة 5:110 و111)

 

ولقد ترك هـؤلاء الرجال كل شيء وتبعوا المسيح ترك بعضهم مهنة صيد السمك، وترك متّى وظيفته كجابي ضرائب، ورافقوا المسيح ثلاث سنوات ونصف في كل مكان ذهب إليه، يسمعون مواعظه ويشاهدون معجزاته وقال بابياس (الذي جمع الأحاديث المسيحية وسجَّلها بين عامي 120 و130م): (سجَّل متّى أحاديث المسيح باللغة العِبرية) وأعتقد أن متى جمع أحاديث المسيح أثناء حياة المسيح على الأرض، ولو أنه رتَّبها في صورتها النهائية بعد صعود المسيح للسماء (كما فعل زيد بن ثابت بالقرآن) وكان أولئك الحواريون حاضرين وقت ارتفاع المسيح، فنقرأ في أعمال 1:9 (وَلَمَّا قَالَ (المسيح) هـذَا ارْتَفَعَ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ )

 

وقد كانت أمُّ المسيح وإخوته شهوداً لتعاليم المسيح وأعماله ويمضي سفر الأعمال فيقول: (حِينَئِذٍ رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ، الَّذِي هـُوَ بِالْقُرْبِ مِنْ أُورُشَلِيمَ عَلَى سَفَرِ سَبْتٍ وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى الْعِلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا: بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ وَفِيلُبُّسُ وَتُومَا وَبَرْثُولَمَاوُسُ وَمَتَّى وَيَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى وَسِمْعَانُ الْغَيُورُ وَيَهُوذَا بْنُ يَعْقُوبَ هـؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلَاةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ وَفِي تِلْكَ الْأَيَّامِ قَامَ بُطْرُسُ فِي وَسَطِ التَّلَامِيذِ، وَكَانَ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ مَعاً نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ فَقَالَ.) (أعمال 1:12- 16)

 

من هـذه الرواية نرى أن أحد عشر تلميذاً كانوا موجودين (لأن التلميذ الثاني عشر وهو يهوذا الإسخريوطي الذي خان المسيح كان قد انتحر) كما كان هـناك 120 مؤمناً قوي الإيمان بالمسيح قد تركوا بيوتهم بسبب إيمانهم.

 

شهود آخرون

بالإضافة إلى التلاميذ الاثني عشر كان مئات آخرون قد سمعوا تعاليم المسيح وشاهدوا معجزاته فذات يوم شفى مرضى وأخرج شياطين، واجتمع حوله خمسة آلاف، عدا النساء والأولاد، فأشبعهم من خمس خبزات وسمكتين، وفاضت اثنتا عشرة قفة من الخبز وأقام المسيح ثلاثة أشخاص (على الأقل) من الموت، أوّلهم ابن أرملة في قرية نايين، وثانيتهم فتاة في الثانية عشرة من عمرها، ابنة قائد يهودي كبير، وثالثهم لعازر من أعيان بيت عنيا وقد شهد القرآن لمعجزات المسيح بقوله (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) (سورة آل عمران 3:49)

 

وبناءً على المعلومات الواردة في الإنجيل أجرى المسيح ما بين 900 و1000 معجزة، شاهدها نحو 15 ألف شخص، ولا بد أن نحو 85 ألف آخرين من أهل المرضى الذين نالوا الشفاء عرفوا بالمعجزات وشهدوا قدرة المسيح المعجزية، وهذا يشكل خُمس عدد سكان فلسطين وقتها وهذا يساعدنا لندرك ما حدث بعد ذلك، فبعد صعود المسيح بعشرة أيام كان العيد اليهودي المعروف بيوم الخمسين، وفيه وعَظ التلاميذ (العقيدة الإنجيلية) فقبلها وآمن بها نحو 3000 نفس في يوم واحد ويدوّن سفر الأعمال هـذا الحدث فيقول: (وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْخَمْسِينَ كَانَ الْجَمِيعُ (الرسل) مَعاً بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الْأَحَدَ عَشَرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ لَهُمْ: ‚(أَيُّهَا الرِّجَالُ الْإِسْرَائِيلِيُّونَ اسْمَعُوا هـذِهِ الْأَقْوَالَ: يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ اللّهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللّهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ هـذَا أَخَذْتُمُوهُ مُسَلَّماً بِمَشُورَةِ اللّهِ الْمَحْتُومَةِ وَعِلْمِهِ السَّابِقِ، وَبِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ وَقَتَلْتُمُوهُ اَلَّذِي أَقَامَهُ اللّهُ نَاقِضاً أَوْجَاعَ الْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً أَنْ يُمْسَكَه الموت) (أعمال 2:1 و14 و22- 24)

 

وواضح من كلام الرسول بطرس أنه كان متأكداً أن سامعيه يعرفون سيرة المسيح ومعجزاته، ولن ينكروا ذلك وعندما انتهى من وعظه سألوه وسائر الرسل: (ماذا نفعل أيها الرجال الإخوة؟) فأجاب: (تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ... فَقَبِلُوا كَلَامَهُ بِفَرَحٍ، وَاعْتَمَدُوا، وَانْضَمَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافِ نَفْسٍ) (أعمال 2:38 و41)

 

كان هـذا أول إعلان جهاري للإنجيل العقائدي، بعد صعود المسيح للسماء بعشرة أيام، نحو سنة 30م وقد آمن بالمسيح يومها نحو ثلاثة آلاف نفس.

 

والآن دعنا نثير نفس الأسئلة التي أثرناها بخصوص القرآن: كيف نعرف أن نقل الإنجيل كان صحيحاً بينما لم يكن هـناك إلا 120 مؤمناً يحبون المسيح؟ ربما ضاعت بعض أوراق البردي من مجموعة متّى وهم يسافرون مع المسيح في أنحاء فلسطين وربما التهمت بهيمة شيئاً من مجموعة يوحنا وهم نيام في أحد البيوت كيف نعرف أنه لم يحدث تحريف؟

 

وسنجيب أن تلاميذ المسيح حفظوا كلماته صحيح أن المسيح لم يعطِ أمراً مباشراً بكتابة الإنجيل، ولكن هـناك سببان لاعتقادنا أن التلاميذ حفظوا الإنجيل، أولهما أن اليهود كانوا يحفظون كتبهم بكل تدقيق، وكان التلميذ اليهودي يحفظ تعاليم معلّمه، وتقول المشنا (التلميذ الصالح يشبه الحوض المطلي الذي لا تتسرب منه نقطة واحدة) وثانيهما أن المسيح قال: (وَلِمَاذَا تَدْعُونَنِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، وَأَنْتُمْ لَا تَفْعَلُونَ مَا أَقُولُهُ؟ كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ وَيَسْمَعُ كَلَامِي وَيَعْمَلُ بِهِ، يُشْبِهُ إِنْسَاناً بَنَى بَيْتاً، وَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ الْأَسَاسَ عَلَى الصَّخْرِ فَلَمَّا حَدَثَ سَيْلٌ صَدَمَ النَّهْرُ ذلِكَ الْبَيْتَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّساً عَلَى الصَّخْرِ وَأَمَّا الَّذِي يَسْمَعُ وَلَا يَعْمَلُ، فَيُشْبِهُ إِنْسَاناً بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ دُونِ أَسَاسٍ، فَصَدَمَهُ النَّهْرُ فَسَقَطَ حَالاً، وَكَانَ خَرَابُ ذلِكَ الْبَيْتِ عَظِيماً) (لوقا 6:46-49) فإن كنتَ تلميذاً للمسيح فإنك ستحفظ كلماته وتطبّقها على حياتك حتى لا تخرب.

 

ثم نجيب أن تلاميذ المسيح كانوا حاضرين وهو يُلقي تعاليمه وكان المسيح معهم نحو أربع سنوات، آخرها قبل أن يلقي بطرس موعظته بعشرة أيام فلو حدث خطأٌ لصحَّحه المسيح فوراً وعلى ذلك فحتى لو لم تكن معنا مخطوطة متّى الأولى، ولو لم يكن لدينا تسجيل لموعظة بطرس الأولى، فإننا نؤمن أن ما عندنا صحيح هـذا افتراض أساسي.

 

من صعود المسيح إلى أول مخطوطة مكتوبة

في الشهور التالية لصعود المسيح أخذ عدد المسيحيين يزيد وبعد معجزة الشفاء التي أجراها الله باسم المسيح على يدي بطرس ويوحنا (وَكَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ سَمِعُوا الْكَلِمَةَ آمَنُوا، وَصَارَ عَدَدُ الرِّجَالِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلَافٍ) (أعمال 4:4)

 

وقد ألقى اليهود القبض على الرسل، لكن المسيحيين (وَكَانُوا لَا يَزَالُونَ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ وَفِي الْبُيُوتِ مُعَلِّمِينَ وَمُبَشِّرِينَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللّهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ التَّلَامِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدّاً فِي أُورُشَلِيمَ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الْإِيمَانَ). أعمال 5:42 و6:7

 

انتشار المسيحية خارج فلسطين

عندما أعلن بطرس العقيدة الإنجيلية (يوم الخمسين) سمعه يهودٌ من أمم كثيرة (وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ سَاكِنِينَ (مقيمين للاحتفال بالعيد) فِي أُورُشَلِيمَ فَرْتِيُّونَ وَمَادِيُّونَ وَعِيلَامِيُّونَ، وَالسَّاكِنُونَ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، وَالْيَهُودِيَّةَ وَكَبَّدُوكِيَّةَ وَبُنْتُسَ وَأَسِيَّا وَفَرِيجِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ وَمِصْرَ، وَنَوَاحِيَ لِيبِيَّةَ الَّتِي نَحْوَ الْقَيْرَوَانِ، وَالرُّومَانِيُّونَ الْمُسْتَوْطِنُونَ يَهُودٌ وَدُخَلَاءُ، كِرِيتِيُّونَ وَعَرَبٌ) (أعمال 2:5 و9- 11) وقد آمن كثيرون من هـؤلاء لما سمعوا وعظ بطرس وغيره من الرسل ولما عادوا إلى بلادهم في إيران والعراق وتركيا وجزيرة العرب كرزوا في بلادهم لشعوبهم برسالة الإنجيل.

 

وحدث اضطهاد على المسيحيين في فلسطين استُشهِد البعض فيه، وتفرق البعض في اليهودية والسامرة (فَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ) وكرز فيلبس المبشر لوزير المالية الحبشي، فحمل معه الإنجيل للحبشة (أعمال 8) واضطهَد شاول (الذي آمن في ما بعد وعُرف باسم بولس) المسيحيين، وسافر إلى دمشق ليلقي القبض عليهم وهذا يعني أن المسيحية قد بلغت سوريا (أعمال 9) وقد وصل المضطَهَدون إلى فينيقية (صور وصيدا) وقبرص ورجال قبرصيون وقيروانيون (من ليبيا) ذهبوا إلى أنطاكية في شمال سوريا (الآن جنوب تركيا) (أعمال 11:19 و20) ويذكر أعمال 11 حدوث مجاعة أيام حكم كلوديوس قيصر (الذي كان حاكماً عام 41 م) فنفترض أن الإنجيل كان قد انتشر في كل هـذه البلاد خلال فترة تتراوح بين 12 إلى 15 سنة وهكذا انتشرت العقيدة الإنجيلية في تركيا واليونان وعندنا ما يثبت أنها وصلت روما عام 49م، ففي تلك السنة بدأ الإمبراطور كلوديوس يضطهد اليهود والمسيحيين، كما كتب المؤرخ سيوتنيوس عام 120م (كان اليهود يُحدِثون اضطرابات مستمرة لأن اسم المسيح كان يُثيرهم، فطردهم كلوديوس من روما) وقدم البشير لوقا الخبر نفسه (فَوَجَدَ (بولس) يَهُودِيّاً اسْمُهُ أَكِيلَا، بُنْطِيَّ الْجِنْسِ، كَانَ قَدْ جَاءَ حَدِيثاً مِنْ إِيطَالِيَا، وَبِرِيسْكِلَّا امْرَأَتَهُ - لِأَنَّ كُلُودِيُوسَ كَانَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يَمْضِيَ جَمِيعُ الْيَهُودِ مِنْ رُومِيَةَ فَجَاءَ إِلَيْهِمَا) (أعمال 18:2) (30)

 

وهذا يعني أن كثيرين من الرومان اعتنقوا المسيحية وقتها، وأثار وعظهم غضب اليهود فأثار اليهود الاضطرابات ففي سنة 49م كانت المسيحية قد انتشرت غرباً على الأقل إلى روما، ولا بد أن عددهم بلغ مئات الآلاف.

 

وهناك عبارة أخرى في سفر الأعمال تقدم تاريخاً محدداً: (فَأَقَامَ (بولس) سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ يُعَلِّمُ بَيْنَهُمْ (في كورنثوس) بِكَلِمَةِ اللّهِ وَلَمَّا كَانَ غَالِيُونُ يَتَوَلَّى أَخَائِيَةَ، قَامَ الْيَهُودُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى بُولُسَ، وَأَتَوْا بِهِ إِلَى كُرْسِيِّ الْوِلَايَةِ) (أعمال 18:11 و12)

 

وفي مطلع هـذا القرن اعترض البعض على ما كتبه البشير لوقا، وقالوا إنه لم يكن هـناك حاكم باسم (غاليون) في كورنثوس ولكن اكتُشفت كتابة على حجر في دلفي باليونان، ترجع لعام 52م، تقول (لما كان لوسيوس جونيوس غاليون صديقي حاكماً في أخائية) ومن مراجع أخرى تبيَّن أنه تولى الحكم في أول يوليو (تموز)، ولمدة سنة فيكون المؤرخ المقدس صادقاً، وتكون إقامة بولس في كورنثوس قد تمت عام 52م.

 

وفي عام 55م لما كان بولس في أفسس كتب رسالة لكنيسة كورنثوس (نسميها رسالة كورنثوس الأولى) ويتفق علماء الكتاب المقدس على هـذا التاريخ، ولنفحص في ذلك نصَّين:

(بُولُسُ، الْمَدْعُوُّ رَسُولاً لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ بِمَشِيئَةِ اللّهِ... إِلَى كَنِيسَةِ اللّهِ الَّتِي فِي كُورِنْثُوسَ... نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلَامٌ مِنَ اللّهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. أَمِينٌ هـُوَ اللّهُ الَّذِي بِهِ دُعِيتُمْ إِلَى شَرِكَةِ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا) (1كورنثوس 1:1 و2 و3 و9)

أما النص الثاني فيقول: (وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ بِالْإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ، وَبِهِ أَيْضاً تَخْلُصُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلَامٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ إِلَّا إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثاً! فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الْأَّوَلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ... وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاقٍ إِلَى الْآنَ وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ وَآخِرَ الْكُلِّ... ظَهَرَ لِي) (1كورنثوس 15:1-8)

ومن هـذا نرى أن بولس يؤمن بالعقيدة (أ) أن المسيح مات من أجل خطايانا، وقام من الموت في اليوم الثالث. وهو يؤمن بالعقيدة (ب) أن المسيح ابن الله.

 

وقد وعظ بهذه (العقيدة الإنجيلية) لأهل كورنثوس شفاهاً لما كان بينهم عام 52م ليخلصوا وها هـو يسجل كتابةً في رسالة عام 55م نفس ما وعظ به شفاهاً.

 

والأغلب أن متّى دوَّن أقوال المسيح كتابة أثناء وجود المسيح على أرضنا، لأن لوقا يقول: (كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقَّنة عندنا) (لوقا 1:1) لكن رسالة كورنثوس الأولى هـي أول جزءٍ من (العهد الجديد) يمكن أن نحدّد تاريخ كتابته ويقول بعض علماء الكتاب إن (إنجيل مرقس) و(رسالة يعقوب) كُتبا عام 50م، إلا أن هـذا اجتهاد لا يقدرون أن يبرهنوه ولكننا متأكدون أن بولس سجّل في النصَّين اللذين اقتبسناهما أعلاه (العقيدة الإنجيلية) المتداولة بين الكنائس شفاهاً، فجعل منها (إنجيلاً مكتوباً) ظل متداولاً بلا تغيير حتى يومنا هـذا.

 

Papyrus p46 from 200 A.D. (145 years after the original)

صورة 1

 

ويجد القارئ في الصورة 1 جزءاً من 1كورنثوس 14 و15 من مخطوطةٍ على ورق البردي محفوظة في مكتبة (تشستر بيتي) في دبلن بأيرلندا، يرجع تاريخها إلى عام 200م، وهي النص الأساسي الذي أخذنا ترجماتنا الحديثة عنه.

 

ويواجهنا السؤال ثانيةً: كيف نعرف أن الإنجيل حُفظ سليماً بدون تحريف أثناء سنوات نقله شفاهاً؟ ربما نسي أحدٌ منه شيئاً ربما لم يُقِم المسيح لعازر من الموت، وربما لم يقُل أبداً إنه (القيامة والحياة) ربما لم يصعد المسيح أبداً للسماء.

 

ونجاوب ثانيةً: لا يمكن أن يكون قد حدث تحريف خلال أول 25 سنة بعد صعود المسيح، لأن التلاميذ حفظوا كلامه فإن نسي أحدهم يذكّره زميله كما أن التلاميذ الأقربين للمسيح، وهم يوحنا وبطرس ويعقوب وغيرهم كانوا أحياء، ويمكنهم منع أي تحريف وكان آلاف ممن شاهدوا المعجزات أحياء، فلا يمكن إدخال تحريف على الإنجيل الذي انتشر حتى روما (على الأقل) غرباً وإلى سوريا والعراق شرقاً، ومن تركيا إلى جنوب ليبيا.

 

ونحن نؤمن أن الرسالة إلى كورنثوس صحيحة حتى لو لم تكن النسخة الأولى منها (بين أيدينا) ونؤمن أن ما سجّله لوقا من تاريخ الكنيسة في سفر الأعمال هـو تسجيل صادق، لأن الروح القدس أرشده ليكتبه، كما أن تأريخ المؤرخين الرومان والحفريات يؤيدان تأريخ لوقا.

 

الفصل التالي    الفصل السابق

 

30. Suetonius, LIFE OF CLAUDIUS

 


القرآن والكتاب المقدس في نور التاريخ والعلم

القرآن والعلم

كتب أخرى

الرد على الإسلام