الحوار المسيحي - الإسلامي

 

صدق الله العظيم وكذب البشر أجمعين

يعتقد الكثير من الاخوة المسلمين أن كلام الله في الإنجيل و التوراة قد تحرف و لم يبقى على الأرض.  بل الإعتقاد السائد بين المسلمين اليوم أن الله أنزل التوراة ثم الإنجيل لكن أهل الكتاب قاموا بعمل بعض الإضافات والتحريفات مما يجعل من الكتاب المقدس الموجود  لدى المسيحيين و اليهود كتاباً محرفاً. لكن هل هذا الإعتقاد بتحريف الوحي الإلهي مبني أساساً على معلومات سليمة؟ أو عقيدة صحيحة ؟ فالقرآن يشهد أن الإنجيل و التوراة والزبور كلها من كلام الله الموحى؛ و كل الاخوة المسلمون يوافقون على ذلك. فكيف وصل المسلمون لهذا الإستنتاج أن كلامه عز و جل قد تغير؟ 

دعنا ننظر إلى الإعتقادات الشائعة التي يلجأ إليها الناس اليوم

أولاً: هل عجز الله عن حفظ كلامه؟

يظن بعض المسلمين أن الله أوكل لأهل الكتاب حفظ كلامه، لكنه عز وجل لم يقم بحماية جميع كلامه. لكن هل هذا الاعتقاد سليم؟

 كلام الله هو كلام أبدي أزلي، أوحاه الله، فكيف لا يحفظه؟  كلامه عز و جل لا يتغير، فالله حافظه. فهل عجز الله عن حفظ كلامه الموجود في التوراة و الإنجيل ؟ استغفر الله العظيم, طبعاً لا . الله لا يعجز على فعل  شيء، كما يقول الوحي الإلهي "إِنَّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ تَزُولاَنِ؛ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ أَبَداً".

أم هل وعد الله بحفظ الوحي ثم رجع في كلامه؟ هل يعقل أن يرجع الله في كلامه؟ الجواب واضح : الله يعلم الغيب ولا يتفاجأ بشيء، فلا يغير كلامه عز وجل مثلما يفعل البشر ذلك عندما تتغير  أحداث التاريخ أو الأزمنة. بل الوحي في التوراة يؤكد أنه "ليس الله إنسانا فيكذب، ولا كبني آدم فيغير فكره. هل يقول ولا يفعل، أو يعد ولا يفي؟"

فهل أوكل الله الوحي الإلهي للبشر دون أن يعلم أنهم سيحرفوه؟ ألم يكن الله عالم بالأمور الغيبية؟ استغفر الله العظيم!  

إذاً يجب علينا أن نؤمن بالله القدير الأمين الحافظ لكلامه.أي انسان يَدَّّعي أن الله عجز عن حفظ كلامه أو  أن الله رجع في كلامه هو انسان كاذب. فهل ترفض أخي المسلم الوحي الإلهي و تصدق كلام البشر؟

صدق الله العظيم وكذب البشر أجمعين

ثانياً: هل ارادة الله للبشر أن يحرفوا كلامه؟

يظن بعض الأخوة من المسلمين أن الله سمح للبشر الأشرار أن يدنسوا كلامه ويحرفوا كتبهه.  فهل هذا منطق سليم؟ دعنا نرى : يقولون أن الله أمر أهل الكتاب بحفظ الوحي لكنهم عصوه وقاموا بالتحريف. فالإنسان يعصي الله دأئماً: مثلاً الله حرم القتل والسرقة والزنا، لكن هذا لم يمنع البشر من إرتكاب المعاصي. فالله اعطانا نحن البشر حرية الاختيار بين الخير و الشر، وبين العصيان والطاعة. فهذه هي إرادة الله ومشيئته عز وجل.

و كذلك أمر الله أهل الكتاب بحفظ كلامه لكنهم قاموا بالعصيان، فهل ذلك التحريف من مشيئة الله؟

طبعاً لا! هناك فرق كبير بين عصيان كلام الله وبين تغيير كلام الله.

 مثلاً، في بلدي، القانون يحرم السرقة، لكن هناك الكثير من اللصوص الذين يكسررن القانون. فهل يستطيع اللص أن يغير القانون حتى يحلل السرقة؟ طبعاً لا. فالمجرم قد يستطيع أن يكسر القانون لكنه يظل عاجزاً عن تحريف القانون.

و كذلك الشريعة الإلهية: قد نستطيع نحن البشر أن نكسر شريعة الله و نرتكب المعاصي، لكن من المستحيل لنا أن نغير شريعة الله أو أن نحرف كلامه.

 يقول الوحي الإلهي "إِنَّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ تَزُولاَنِ؛ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ أَبَداً". فهل ترفض أخي المسلم الوحي الالهي و تصدق كلام البشر؟

 صدق الله العظيم وكذب البشر أجمعين

ثالثاً: ألم يتكلم الحديث النبوي عن تحريف أهل الكتاب للتوراة والإنجيل؟

قد يلجأ البعض من المسلمين إلى كتاب صحيح البخاري و غيره من كتب الأحاديث التي تتكلم عن تحريف أهل الكتاب للوحي الإلهي في التوراة والإنجيل. و تختلف صحة تلك الروايات و الأحاديث فيما بين طوائف المسلمين أنفسهم أيضاً ، فلن أخوض بها . لكنها كلها تعتمد على شهادة بشر، فالأحاديث و الروايات ليست وحياً. بل إن كتاب صحيح البخاري وهو أقدم كتب الأحاديث و أكثرها وقاراً لدى المسلمين تم جمعه ما يقارب 200 سنة من بعد وفاة رسول الإسلام، ومؤلفه  محمد بن إسماعيل البخاري جمع في كتابه ما بقي في ذاكرة المسلمين عبر قرنين من الزمان. وبما أن ذاكرة البشر تتغير، إضطر البخاري أن يرفض الآف الأحاديث و حذفها من كتابه.

الكثير من المسلمين,  يرفضون الأحاديث لكثرتها و تناقضها،ويبررون ذلك بأنها ليست وحياً وإنما إجتهاد بشر. الذين جمعوا الأحاديث عبر القرون رجال عظام، لكنهم بشر و ليسوا معصومين عن الخطأ. فهل ترفض أخي المسلم الوحي الإلهي و تصدق كلام البشر؟

 صدق الله العظيم وكذب البشر أجمعين

رابعاً : ألم يتكلم القرأن عن تحريف البشر للتوراة والإنجيل؟

هناك بعض الآيات في القرآن تحذر المسلمين من الانخداع على يد البشر الذين يغيرون كلام الله في التوراة والإنجيل. أليس هذا دليل على التحريف؟

المشكلة هنا تكمن بالمقصود بالتحريف، فكاتب القرآن يحذر المسلمين عدة مرات من الذين يحرفون التوراة والإنجيل، لكنه أيضاً يؤكد عدة مرات أن التوراة والإنجيل تمت كتابتهما بواسطة الوحي الإلهي بل و يدعوا القرآن   المسملين للإيمان بهما ، ويؤكد لأهل الكتاب على أنه "لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم ". إذن المقصود من التحريف هنا هو أن بعض من البشر كانوا ينسبون للوحي الالهي أموراً مخالفة لما جاء في الوحي.

دعني أوضح  لك هذا الأمر على أرض الواقع: هناك طوائف في أمريكا تحلل الشذوذ الجنسي، و عندما تسألهمعن ذلك، يجيبونك أن الإنجيل لم يحرم ذلك. لكن إن قرأنا الإنجيل بأنفسنا و بكل تجرد، سنجد العديد من الآيات الواضحة التي تحرم الشذوذ الجنسي و تحكم عليه بالنار.إذن هذه الطوائف,وإن كانت تنسب نفسها للمسيحية, إلا أنها تنسب إلى الوحي الإلهي ما لم  يوجد فيه، على الرغم من أن الوحي الإلهي موجود ومحفوظ ومتيسر لكل من يبحث عن الحق ليقرأ بنفسه ويرى أن الوحي يحرم هذه الأعمال المشينة.

إذن هناك فرق كبير بين التحريف اللفظي أو التفسيري أي أن ننسب إلى الوحي ما لم يأمر به، وبين تحريف الأصل، أي تحريف كلام الله نفسه, وتغييره في الأصل.

مثال آخر: تكلمنا سابقاً كيف أن اللص يقدر أن يكسر القانون لكنه عاجز عن تغييره؛ ماذا لو ادعى اللص أمام القاضي في المحكمة أن القانون يسمح له بالسرقة؟ فهو إذاً بعمله هذا يحرف ما هو مكتوب في القانون.

 لكن القاضي يستطيع أن يقرأ القانون بنفسه ليجد اللص كاذباً و يحكم عليه بالسجن.

نستتنج من هذا إذاً أخي المسلم أن البشر قد ينسبون للوحي الإلهي ما لم يوجد فيه أصلاً، لكنه يستحيل على البشر أن يغيروا الوحي نفسه. لذلك، نجد في القرآن عدة آيات تدين من ينسب إلى التوراة والإنجيل ما لم يوجد فيهما، لكن القرآن في نفس الوقت يؤكد صحة الوحي ويدعوا البشر أن يؤمنوا به. 

أدعوك أخي المسلم أن تقرأ التوراة والإنجيل بنفسك، لترى صدق الله وأمانته، فهو عز وجل القدير الجبار، لا مبدل لكلامه و لا مغير لشرائعه.

"إِنَّ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ تَزُولاَنِ؛ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ أَبَد".فهل ترفض أخي المسلم الوحي الإلهي و تصدق كلام البشر؟

صدق الله العظيم وكذب البشر أجمعين